Instagram

Twitter

Search
 

المخاطر والأضرار الاقتصادية لجريمة غسل الأموال

مكتب الدكتورة منى المرزوقي للمحاماة > مقالات قانونية  > المخاطر والأضرار الاقتصادية لجريمة غسل الأموال

المخاطر والأضرار الاقتصادية لجريمة غسل الأموال

بسم الله الرحمن الرحيم

هناك أخطار عديدة تهدد الدول جراء إقبال المجرمين المحترفين على جريمة كغسل الأموال بطرائق عديدة وأساليب شتى تنال جميع قطاعات المجتمع، ولكن أخطرها على الإطلاق هي المخاطر الاقتصادية الضارة على الاقتصاد الوطني؛ إذ تتمثل الأخطار والأضرار الاقتصادية لجريمة غسل الأموال بإيجاز على الأحوال الآتية:

  • استنزاف الاقتصاد الوطني:

إذ أنَّ نقل الأموال إلى خارج البلاد بقصد غسلها في بلدان أخرى، يؤدي إلى حرمان البلد من الأموال والأرصدة الموجودة فيها والتي تغذي الاقتصاد الوطني، مما يحول دون استثمار تلك الأموال في مشاريع اقتصادية وتنموية تدرُ مدخولاتٍ للدولة والأفراد، وتساهم في الحد من البطالة، وتعمل على زيادة التشغيل وارتفاع نسبة معدلات القوى العاملة. وينعكس عن هذا الاستنزاف للاقتصاد الوطني مشكلات اقتصادية واجتماعية وسياسية مختلفة، منها زيادة الدَّين الخارجي والداخلي على عبء الدولة، وزيادة عجز الموازنة السنوية وتكراره.

  • الركود الاقتصادي:

إن تهريب الأموال إلى الخارج لغسلها، وأيضاً استخدام الأموال المغسولة في تنفيذ صفقات استثمارية غير منتجة عبر تجميدها بشراء مقتنيات مشهورة بمبالغ طائلة، مثل اللوحات الزيتية لمشاهير الرسامين، أو بشراء التحف والأحجار الكريمة باهظة الثمن، يؤدي هذا التهريب إلى إضعاف وتراجع القُدرات المالية المُتاحة لتنفيذ مشاريع وطنية منتجة، مما يسبب الكساد والركود الاقتصادي المستمر مع استمرار عمليات غسل الأموال.

  • انخفاض معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي:

يؤدي تزايد عمليات غسل الأموال إلى زيادة اهتمام الدول بالشؤون الأمنية، ومضاعفة الإنفاق عليها على حساب خطط وبرامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وعرقلة برامج التصحيح الاقتصادي، مما ينعكس سلباً على معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي ويؤدي إلى تراجعها، أي أن العلاقة تكون بين هذين المتغيرين علاقة طردية، فكلما زاد حجم عمليات غسل الأموال كلما زاد انخفاض الناتج المحلي.

  • زيادة العجز في ميزان المدفوعات وارتفاع المديونية الخارجية:

يؤدي تراجع معدل الادخارات المحلية إلى لجوء الدول إلى الاقتراض من مؤسسات وحكومات دولية، مما يشكل عبئاً على الاقتصاد الوطني وعجزاً في ميزان المدفوعات، بسبب الالتزام بسداد أقساط الديون والدفعات، وقد تجد البلدان التي حققت مرحلياً نمواً اقتصادياً مرتفعاً في ظل الفساد المالي وغسل الأموال، أنَّ ما حققته على المدى القصير ستدفعه ثمناً باهظاً في المستقبل، لأن المال غير المشروع يدور في فلك المال غير المشروع نفسه، ويتضخم أولاً بأول، وفي فترة محدودة يهاجر إلى بلدان أخرى، وتصبح المصارف المحلية خاوية إن لم تكن مُفلسة.

  • انخفاض قيمة سعر صرف العملة الوطنية:

 تؤدي عمليات غسل الأموال إلى زيادة الطلب على العملات الأجنبية بغرض تحويلها للإيداع في بنوك خارج البلاد أو استثمارها هناك، بالمقابل يتم زيادة العرض للعملة الوطنية مما يؤدي إلى انخفاض قيمتها مقابل العملات الأجنبية تمشياً مع سوق العرض والطلب، وضعف قوتها الشرائية، واضطراب الأسعار. وزعزعة الثقة بقيمة العملة الوطنية محلياً وإقليمياً، والمضاربة على العملات الأجنبية، وظهور السوق السوداء لصرف العملة.

  • (6)     ارتفاع سعر الفائدة على العملة المحلية:

يؤدي انخفاض سعر صرف العملة المحلية إلى التخوف من استمرار هذا الانخفاض، مما يضطر الدول إلى التحويل التضخمي الذي يؤدي إلى زيادة الأموال المحوّلة إلى الخارج، وفي مثل هذه الحالة؛ تضطر الدولة إلى اتخاذ إجراءات خاصة بالسياسة النقدية، مثل رفع سعر الفائدة وتثبيت سعر الصرف، لأن معدل الفائدة الحر والخاضع لسوق العرض والطلب قد يتأثر في حالة التوقعات المتزايدة حول تخفيض العملة ويؤدي حتماً إلى ارتفاع سعر الفائدة كنتيجة حتمية لانخفاض سعر صرف العملة المحلية وذلك بهدف تعزيز الثقة بالعملة الوطنية، وطبعاً فإن لمثل هذا الإجراء محاذيره الاقتصادية المختلفة .

  • انخفاض القدرة الإنتاجية:

تؤدي عمليات غسل الأموال إلى زيادة معدلات الاستهلاك بقدر كبير يزيد عن معدل الزيادة في الدخل الوطني، مما يساهم في انخفاض معدلات الادخار والاستثمار، وبالتالي ضعف الإنتاجية وتراجعها. وقد توصلت بعض الدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن الدخول غير المشروعـة تعتبـر مسؤولـة عن انخفـاض الإنتاجيـة في الاقتصاد الوطـني بنسبـة (27%).

  • ارتفاع معدلات التضخم وتراجع القوة الشرائية النقدية وزيادة الأعباء الضريبية:

تؤدي عمليات غسل الأموال إلى زيادة الاستهلاك، وارتفاع مستوى الإنفاق، وزيادة الطلب، وارتفاع المستوى العام للأسعار، مما يؤدي إلى تدهور القوة الشرائية للنقود. ثم إن الأموال التي تخرج من أي بلد لتستقر في بنوك عالمية وفق عمليات غسل أموال، تشكل تهديداً للدخل الوطني مما يؤثر سلباً على الاقتصاد الوطني بشكل عام، ويكون أيضاً ذا تأثير سلبي على أصحاب الدخول المشروعة في الاقتصاد الوطني بشكل خاص. كما أن انخفاض الدخل الوطني المسجل في الحسابات المحلية يجعل الحكومات تضطر إلى رفع سقف الضرائب المقررة، وفرض ضرائب جديدة على قطاعات مختلفة، مما يؤدي إلى زيادة معاناة دافعي الضرائب، وانخفاض مدخراتهم، وتناقص مستوى الرفاهية.

  •  نقص معدل الادخار المحلي:

يؤدي هروب رؤوس الأموال إلى الخارج إلى نقص الادخار المحلي، وعدم توفر الاحتياجات الاستثمارية، واتساع نطاق الفجوة التمويلية. وفي حالات غسل الأموال من خلال شراء وتخزين الذهب والمجوهرات والتحف واللوحات الباهظة الثمن؛ فإنَّ الادخار يتراجع والاستهلاك يتصاعد، وفي حالة نقص الادخار المحلي تلجأ الدول إلى التمويل الخارجي والمديونية التي تشكل عبئاً على الميزانية السنوية والاقتصاد الوطني ككل.

  • حرق الأسعار:

يقوم أصحاب المشاريع والشركات ذات المصادر المالية المغسولة ببيع السلع والخدمات بأسعار زهيدة قد لا تصل أحياناً إلى قيمة رأسمالها الحقيقي، لأنهم يبحثون عن تنظيف أموالهم ولو بأقل من القيمة الحقيقية لها، وهم بذلك رابحون حتى لو كانت مبيعاتهم أقل من سعر التكلفة، ويؤدي هذا التعامل التجاري إلى حرق الأسعار وإلحاق الضرر بالمشاريع والمؤسسات ذات رؤوس الأموال المشروعة، مما يقضي على نظام المنافسة الشريفة ويلحق أضراراً جسيمة بحرية التجارة.

  •  تذبذب الاستقرار في البورصات:

عندما تدخل الأموال غير المشروعة المراد غسلها إلى الأسواق المالية، فإنها لا تتقيد بأسعار البورصة والقيمة الفعلية المتداولة لأسعار الأسهم والسندات، بل تشتري وتبيع بأسعار المضاربة بعيداً عن أسعار السوق الحقيقية بسبب التعامل غير المنطقي في شراء وبيع الأسهم والسندات ، سيما وأنها لا تراعي معادلة الربح أو الخسارة، بل هدفها هو غسل تلك الأموال من خلال منافسة غير متكافئة مع المستثمرين الجادّين، وهذا يؤدي إلى ذبذبة الاستقرار في الأسواق المالية، وينعكس بالتالي على زعزعة الثقة بالأسواق المالية، ويشكل عبئاً ثقيلاً على الاستثمارات فيها.

  • انتشار ظاهرة الفساد المالي:

 تؤدي إغراءات غاسلي الأموال للعاملين في المصارف والمؤسسات المالية إلى وقوع بعضهم في مصائد غاسلي الأموال والدوران في فلكهم، وخدمتهم من خلال المساهمة في التغاضي عن عمليات غسل الأموال التي يقومون بها، وهذا يؤدي بدوره إلى تسرب الفساد إلى العاملين في المصارف والمؤسسات المالية ذات العلاقة بهذا الشأن.

  • عدم تحقيق العدالة في توزيع الدخل الوطني:

تساهم الأموال المغسولة في رفع معدلات دخول الفئات غير المنتجة على حساب دخول الفئات المنتجة، مما يؤثر على مستوى معيشة الكادحين والذين يعملون بجد وإجتهاد من أفراد المجتمع، ويشكل بالتالي توزيعاً عشوائياً غير عادل للدخل القومي، ويرافق ذلك فجوة واسعة بين الأغنياء والفقراء، ينتج عنه ظلم اجتماعي وتهديد أمني للمجتمع.

  • ارتفاع معدلات البطالة:

إن عمليات غسل الأموال التي تعتمد على التهرب من الجمارك والرسوم والضرائب، تساهم في خفض الإيرادات العامة للدولة، والتي تنعكس على خفض حجم الإنفاق العام، مما يسبب إعاقة البرامج الهادفة إلى زيادة فرص العمل وخفض معدلات البطالة أو تعويض العاطلين عن العمل، وهذا الوضع يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة.

  • ارتفاع معدلات الجرائم الاقتصادية:

جريمة غسل الأموال هي أصلاً جريمة اقتصادية، وتنفيذها يؤدي إلى تولّد جرائم اقتصادية أخرى مباشرة أو غير مباشرة، لأن البطالة الناتجة عن غسل الأموال، وشح الموارد عند المواطنين، وضيق ذات اليد، وتراجع السيولة النقدية عند الأفراد.. جميعها تساهم بشكل أو بآخر إلى زيادة معدلات الجرائم الاقتصادية خصوصاً الجرائم الواقعة على الأموال.

  •  ظهور فئات إجرامية جديدة:

يؤدي غسل الأموال إلى ظهور فئات إجرامية جديدة تمارس ارتكاب جريمة غسل الأموال، وهي فئة منفصلة أصلاً عن العصابات الإجرامية الأصلية التي تمارس الجرائم المنتجة للأموال المغسولة، وتساهم الفئات الإجرامية الجديدة بمساعدة وخدمة العصابات الجرمية، ويرتكب جريمة غسل الأموال عادة ضعاف النفوس من المصرفيين والمحاسبين والمحامين ورجال الأعمال وغيرهم ممن خوت ضمائرهم، وباعوها بثمن بخس من أجل تسهيل عمليات غسل الأموال القذرة نظير عمولات من قيمة الأموال المغسولة.

  • ارتفاع معدلات تكلفة الجريمة:

مما لا شك فيه أن ارتفاع معدلات الجرائم الاقتصادية الناتجة عن جرائم غسل الأموال تحتاج إلى بذل جهود وإمكانيات مضاعفة أحياناً، للوقاية من الجريمة بكافة أشكالها وصورها ومكافحتها، مما ينعكس على زيادة في رصد المخصصات اللازمة للأجهزة المعنية بجوانب الوقاية من الجريمة ومكافحتها والتوعية من أخطارها وأضرارها على الفرد والمجتمع.

  • ظهور عصابات متخصصة في غسل الأموال:

تحتاج العصابات الإجرامية إلى نفوذ قوي عند غسل أموالها، لتستطيع حماية هذه الأموال وضمان نتائج إيجابية في عمليات غسل الأموال. لذا يبحثون عن أشخاص قادرين على خدمتهم في هذا المجال، وقد انبثق عن ذلك ظهور ما يسمى بفئة “غاسلي الأموال”، يكون لهم تنظيم جرمي متكامل بأدوار محدّدة لكل منهم، بحيث يشكل تنظيمهم عصابة متخصصة في غسل الأموال، أي أن عصابة إجرامية تفرز عصابة إجرامية أخرى، ولكن بأدوار ومهام مختلفة.

  • إساءة سمعة المؤسسات المصرفية والمالية التي تتعرض لعمليات غسل الأموال وانهيارها:
    إن المؤسسات المصرفية والمالية التي يتم من خلالها تنفيذ عمليات غسل الأموال، تتعرض إلى عزوف العملاء عن التعامل معها؛ مما يؤدي إلى ضعف مركزها الاقتصادي، وسحب العملاء الشرفاء لأرصدتهم، والابتعاد عن التعامل معها، وهذا يؤدي بدوره إلى زعزعة الثقة بهذه المؤسسات المالية، وعدم استقرارها مالياً والإساءة لسمعتها الدولية، خصوصاً إذا ما تم سحب الأموال المغسولة منها، مما يوقعها في حالة الإفلاس والانهيار بعد الاشتباه بها أو اكتشافه.

الكاتب: الأستاذ مهند بابكر\ مستشار قانوني أول

No Comments

Leave a Comment