نظرية الظروف الطارئة والمسؤولية العقدية لشركات التأمين تجـــــاهـ المؤمن لهم ضد الـــــمرض
ثمة تساؤل شغل كثيراً من الناس (المؤمن لهم ضد المرض) عن المسؤولية العقدية لشركات التأمين؛ خاصة في ظل تفشي مرض كورونا المستجد؛ وهو مدى إنطباق قواعد نظرية الظروف الطارئة على مثل هذه العقود.
عرف القانون المدني رقم (22) لسنة (2004) التأمين بأنه (عقد يلتزم المُؤمِنْ بمقتضاه أن يؤدي للمُؤَمَن له، أو إلى المستفيد الذي أُشتُرِط التأمين لصالحه مبلغاً من المال، أو إيراداً مرتباً، أو أي عوض مالي آخر، في حالة وقوع الحادث، أو تحقق الخطر المبين بالعقد، وذلك في نظير قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن.
باستقراء النص يتضح أن (المُؤَمَن له) إذا دفع الاقساط أو الدفعات المالية المقررة بموجب عقد التأمين (للمُؤمِنْ)، وفي المقابل وقع الخطر أو الحادث (المُؤَمَن مِنه)، فإنّه يجب على (المُؤمِنْ) أن يدفع مبلغ التأمين المتفق عليه في العقد، وبالنظر إلى في التساؤل، فإنّ التأمين قائم على تحقق المرض؛ ولما كان وباء كورونا 19 المُستجد (مرضاً) مثله مثل باقي الأمراض، فبالتالي إذا كان عقد تأمين المُؤَمَن له قائماً على تحقق المرض (عموماً) فإنه لا سبيل (لـلمُؤمِنْ) أن يتنصل من التزامته حال وقوع المرض، وذلك لقيام موجباته، من سداد القسط ووقوع الضرر المؤمن منه، مالم يُنص في عقد التأمين على وجوب دفع (المُؤمِنْ) للمُؤَمَن له مبلغ التأمين عند تحقق أمراض بعينها دون سواها، ليس من بينها الأمراض التي تُصيب الجهاز التنفسي ككورونا وسارس وغيرها من الأمراض التى تُصيب الرئتين، أما التأمين على مجرد وقوع المرض (مهما كان شكله أو نوعه) فإن ذلك من دواعى إلزام المُؤَمِنْ بمبلغ التأمين؛ وقد جرت العادة في الغالب الأعم من العقود أن بوليصة التأمين على المرض لا تستثني أمراضاً بعينها؛ وغالباً ما يشمل عقد التأمين جميع الامراض دون إستثناء.
وبناء عليه يجب الرجوع إلى عقد التأمين المبرم بين الطرفين والنظر إلى النصوص المتفق عليها ويتم الأخذ بما تم الاتفاق عليه ، ويلتزم الطرفان بما ورد بعقد التأمين .
أما تطبيق نظرية الظروف الطارئة أو القوة القاهرة على التزامات عقد التأمين ضد المرض، فيجب بيان أن مناط تطبيق نظرية الظروف الطارئة هو حدوث حوادث استثنائية عامة لم تكن في حُسبان طرفا العقد عند اتفاقهما وتوقيعهما على عقد متقابل الالتزامات، تتدخل المحكمة بموجب تلك الحوادث الواقعة وترُد الالتزام الذي صار مرهقاً للحد المعقول، أو أن ترُد المتعاقدين للحالة التى كانا عليها قبل التعاقد مع الحكم بالتعويض إن كان له مقتضً، (بحسب الحال) إذا استحال تنفيذ العقد ولم يكن مرهقاً فحسب، وفي المُقابل وعلى العكس من ذلك، فإن عقد التأمين قائمٌ في الأصل على وقوع حوادث وأضرار ستحصل في المستقبل ويمكن التنبوء بوقوعها على الوجه الجازم، وبحجم الأضرار المؤمن عليها وكيفية حصولها -فذلك كله محل اعتبار عند التوقيع على عقد التأمين-، وبالتالي اختلفت الفكرتان عن بعضهما البعض وتضادتا، فلا يستقيم أن تُطبق نظرية الظروف الطارئة على عقد التأمين (ضد المرض)، في ظل إنتشار مرض كورونا للاعتبارات التي بيّنَاها.
وتطبيقاً لذلك فقد تكبدت شركات التأمين خسائر فادحة بسبب تغطيتها على مرضي كورونا في معظم بلدان العالم؛ ومعظم هذه الشركات توقفت تماماً عن قبول طلبات المتقدمين لإبرام بوليصة التأمين ضد المرض.
وبالتالي فإن أي نوع من الأمراض ليس بظرف طارئ في عقد التأمين ضد المرض -فهو متوقع الحدوث-؛ وعنصر التوقع والإحتمال هو أمر جوهري وغاية لإبرام مثل هذه العقود التأمينية.
الكاتب: الأستاذ مهند بابكر\ مستشار قانوني أول