Instagram

Twitter

Search
 

تشريع طال انتظاره.. عقد العمل الحُر

مكتب الدكتورة منى المرزوقي للمحاماة > مقالات قانونية  > تشريع طال انتظاره.. عقد العمل الحُر

تشريع طال انتظاره.. عقد العمل الحُر

ظلّت الحياة البشرية ولاتنفك في اضطراد مستمر من التطور والتنامي، متماشيةً مع ضرورة الحداثة كلما دعت حاجتها إلى حل إشكال ما، أو إيجاد طريقة أسهل توفر المال والجهد؛ لاسيما في عصرنا الحديث؛ حيث سرعة الاتصالات والمعاملات؛ وتغليب الجانب الإلكتروني القائم على الإنترنت في التعاملات منه إلى الجانب الشخصي المباشر؛ الأمر الذي أسهم بشكل كبير في اضمحلال ما تعارف عليه الناس في شؤون حياتهم شيئاً فشيئاً من الرتابة والرجعية التي لاتخدم المصالح مقارنة بالتطور الجامح الذي يمر به العالم أجمع

 فما عاد النّاسُ يحتاجون -كما في الماضي- في كثير من الوظائف والأعمال والحرف والتقنيات إلى وجود العامل أو الموظف داخل المؤسسة التى تدفع له الأجر؛ فلربما قام بالعمل المطلوب من بيته أو مقهى أو ساحة عامة أو مكان عمل مشترك مهيأ، عبر جهاز حاسب آلي متنقل؛ بل ويمكن أن يعمل الموظف الواحد لعدد من الجهات والمؤسسات في بلد أو بلدان عديدة -بتلك الطريقة- في آن واحد؛ لايشغله أحدها عن الآخر، وفي نفس الوقت لا تربطه رابطة علاقة العمل العقدية الفردية التي سادت على مر العصور في التوظيف

كانت لظروف الإغلاق العام بسبب جائحة كورونا المستجد في العام الماضي؛ كبير الأثر في تكريس وازدياد اتجاه كثير من أرباب الأعمال نحو إنجاز أعمالهم عبر موظفين يعملون لحسابهم الخاص؛ وكان لبعض الأعمال نصيباً أكبر من سواهـا؛ كالتدوين برمجة الهواتف المحمولة والمواقع الإلكترونية والتصميم؛ والخدمات الاستشارية عموماً سواء في مجال القانون أو الهندسة أو المشاريع والإدارة وغيرها. فوفرت هذه الطريقة على أصحاب الأعمال مصاريف وتكاليف يتتطلبها وجود العامل أو الموظف داخل المؤسسة لفترة من الزمان؛ وكذلك وفرت على العامل أو الموظف -الحر-  مصاريف تتعلق بالمواصلات والوقت والهندام طالما أنه يعمل من بيته

لاشكّ أنّ مثل هذه المعاملات بالجملة تخضع في مبدأها ونظامها العام إلى القواعد التي تؤسس عليها جُلَّ العقود؛ والتى تبدأ بطرفي العقد وعنوانهما؛ وتعريف كل طرف بدوره المنوط القيام به؛ ومحل وسبب العقد؛ فالعامل الحرّ يجب أن يعرف على وجه الدّقة ماهو المطلوب منه إنجازه؛ والمدة التى يستغرقها ذلك العمل؛ والمقابل الذي سيدفعه ربّ العمل للعامل الحرّ سواء بالسّاعة أو باليوم أو بإنجاز المهمة بحسب الحال

ولعلّ الناظر المتأمل لهذه العقود يجدها تتداخل بين قانون التعاملات الإلكترونية ومالها من أحكام؛ وبين القانون المدني من جهة أخرى؛ ولعلّنا أخرجنا قانون العمل من دائرة هذا التداخل ذلك لاعتبارات عديدة؛ منها أن هذه التعاملات لاتخضع بشكل مباشر لأحكام قانون العمل لما لها من مميزات لاتتوافر ولاتتوافق مع الخاضعين لنصوص قانون العمل؛ فمثلاً إذا أخذنا قانون العمل القطري رقم (14) لسنة (2004) -وتعديلاته- (مقروءاً مع القانون رقم (21) لسنة (2015) بتظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم وكفالتهم)، لانجد فيه أحكاماً تُنظم مثل هذه العلاقات؛ ذلك أن العلاقة بين رب العمل والعامل قائمة في الأصل على وجود الأخير داخل الدولة؛ عبر تصريح له بالإقامة للعمل؛ وهذا وحده كافٍ لهدم فكرة العامل الحر الذي يستطيع العمل في أكثر من مكان واحد والتي لايلزم -وفقاً لها- وجوده في مكان معين دون الآخر

وربما أن الاستثناء الذي يستطيع معه العامل المقيم في دولة قطر أن يعمل عملاً إضافياً بعد الدوام الرسمي مع شخص آخر بموافقة صاحب العمل الأصلي ووزارة الداخلية؛ وكذلك الحال لبعض أعمال الإدارة التي يكون فيها العامل شريكاً ومخوّلاً بالتوقيع في إحدى الشّركات بعد موافقة الجهات المختصة المتمثلة في الوحدة الإدارية المختصة بوزارة الداخلية – وفقاً لمنطوق المادتين 16-23 من قانون تنظيم دخول وخروج الوافدين

اتجهت بعض الدول كالمملكة العربية السعودية إلى تقنين فكرة موظف العمل الحر بابتكار منصة رقمية متبناة من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تساعد أولئك الذين يسعون إلى استقلالهم الوظيفي بتسجيلهم واعتمادهم كل بحسب تخصصه؛ وتمويل من يحتاج منهم لذلك

في الولايات المتحدة الأمريكية وعلى وجه الخصوص ولاية نيويورك؛ وفي الخامس عشر من مايو للعام 2017 استحدث قانون أسموه (العمل الحر لايعني العمل مجاناً) عبر مكتب سياسات ومعايير العمل التابع لإدارة شؤون المستهلك وهو ممثل العاملين في حكومة مدينة نيويورك -وهي من أكبر الولايات من حيث التعداد السكاني-، وقد نص القانون على تعريف موظف العمل الحر بأنه: أي فرد يوظفه طرف مستأجر في العمل كمتعاقد مستقل لتقديم خدمات مقابل أجر

ويعمل موظفو العمل الحر في الكثير من المجالات المختلفة في ولاية نيويورك من بين المجالات الأكثر شيوعا لموظفي العمل الح؛ الأعمال المرتبطة بالفيديو والأفلام -الرسوم وتصميم الويب- المقاولات والإصلاحات المنزلية التصويروالترجمة؛ ولكن هناك بعض المهن التي لايشملها القانون بالحماية كمندوبي المبيعات؛ والمحامون وأصحاب المهن الطبية؛ هؤلاء مستبعدون من تعريف موظف العمل الحر؛ ويتميز هذا القانون بعدة مزايا؛ من أهمها ضرورة كتابة العقد؛ ويضمن لك حق تقديم شكوى والمقاضاة في حال عدم أداء صاحب العمل أجر الموظف المستقل في موعده؛ والحق في عدم التعرّض والتمييز من صاحب العمل وإلى غير ذلك

وقد يثور  تساؤل عن كيفية حلّ النّزاع المحتمل وقوعه بين صاحب العمل الذي يقيم فى دولة ما؛ والعامل الحرّ الذي يقطن دولة أخرى، والأقرب أن قواعد الاختصاص الدولى ومايعرف بقواعد الإسناد هي التي تفصل في المسألة كلٌ  بحسب وقائعها وظروف نشوءها. فإذا كان النظام القانوني لرب العمل المعنوي الأجنبي كالشركات والجمعيات والمؤسسات وغيرها؛ فإنّه يسري على المعاملات التي تخوضها قانون الدولة التي اتخذت فيها هذه الأشخاص مركزاَ رئيساً لإداراتها؛ إلا إذا باشرت نشاطها الرئيسي في قطر أو لم يوجد لها مركز رئيسي فعلي فإن القانون القطري هو الواجب التطبيق

ومن ناحية أخرى فإنه يسري على العقد من حيث الشكل قانون البلد الذي تمّ فيه؛ مع جواز تطبيق القانون الذي يخضع له العقد في أحكامه الموضوعية؛ كما يجوز تطبيق قانون موطن المتعاقدين أو قانونهما الوطنى المشترك.  ولعلّ الأيام القادمة ستُسفر عن نهضة قانونية و تشريعية تعمل على تقنين هذا النوع من العمل في شكل قوانين وبنصوص صريحة وواضحة تحمي طرفا العلاقة من أن يعتدي ايّ منهما على الآخر؛ نظراً لامتداد وتوسّع هذا النوع من التعاملات في العالم بأسره عبر الشّبكة العنكبوتية

الكاتب: الأستاذ مهند بابكر\ مستشار قانوني أول

No Comments

Leave a Comment